تزامناً مع النجاح الكبير لفعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2017، أتساءل عن مصير الإنتاج الأدبي والفكري لبعض أدبائنا ومفكرينا ممن لم يتمكنوا من طباعة إنتاجهم لأسباب تكاد تكون مادية بحتة تتمثل في عدم مقدرتهم على تحمل نفقات الطباعة في ظل ما يتوقعونه من عائد مادي منخفض قد لا يغطي تلك النفقات الباهظة، وأضرب لذلك مثالاً الراحل عاشق الأدب الأندلسي بكلية آداب جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أحمد عبدالله النعمي (طيب الله ثراه)، والذي أخبرنا مراراً حينما كنا طلاباً لديه في مرحلة البكالوريوس آنذاك أنه انتهى من تأليف موسوعته التي كان يحلم بها عن الأدب الأندلسي، وأنه يعد العدة لطباعتها، ولكنه كان لا يخفي حسرته بسبب أنه لا يملك المال الكافي لذلك، وكان يعتب حينها على الأندية الأدبية التي لم يكن بمقدورها التكفل بتلك المهمة، ورحل (رحمه الله) عنا وعن دنيانا قبل أن تتحقق أمنيته تلك أو أن يجد من التكريم ما يستحق!
ولمن لا يعرف الراحل فقد كان أقرب الأساتذة لزملائه ولطلابه نظراً لما تميّز به من علم غزير وتواضع جمّ وعفوية وروح مرحة جعلته فريداً بين أقرانه وجعلت قاعات المحاضرات العامة التي يلقيها في الجامعة وفي النادي الأدبي بجدة تكتظّ بالحاضرين في مشهد لم نشاهد له مثيل في تلك المنابر، وكان الألم يعتصر قلبه على حال اللغة العربية وما آلت إليه بين كثير من طلاب الجامعة آنذاك والذين كان يصفهم مازحاً بالـ«المكرونة المتحركة» نتيجة لخمولهم ولقلة تحصيلهم العلمي وعدم حرصهم على العلم النافع، بقدر حرصهم على أيسر سبل النجاح والحصول على وثيقة التخرج! فماذا عساه أن يقول غفر الله له لو أنه ما زال يعيش بيننا عن معظم طلابنا اليوم؟!
والدكتور النعمي كان خطيباً مفوّهاً وكاتباً وناقداً أدبياً من الطراز الرفيع وذا ثقافة عالية جداً في الأدب والنقد والتاريخ وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم حتى أننا كنا نعده موسوعة متحركة يتنقل بكل ثقة وسهولة ويسر، بين العصور المختلفة منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث بآدابه العربية والأوروبية، ولذا فإنه من المتوقع أن ذلك كله قد انعكس على تلك الموسوعة التي أفنى حياته من أجلها والتي يكاد يجزم من عرف الراحل أنها تحفة فنية أدبية تاريخية تستحق أن ترى النور وأن تكون في متناول الأجيال الحاضرة والقادمة، ومما يدلّل على متانتها وقوتها ما ذكره لنا (رحمه الله) أنه أحصى فيها ما يربو على ثلاثمائة شاعرة أندلسية في حين أن معظمنا لا يعرف منهن إلا ولادة بنت المستكفي! وبالتالي فإن الأمل معقود على المسؤولين بوزارة الثقافة والإعلام والمهتمين بالشأن الثقافي في تبني طباعتها وإتاحتها للباحثين وللقراء المهتمين في المكتبات العامة والجامعية والأندية الأدبية.
* أكاديمي في جامعة حائل
aaboamr@gmail.com
ولمن لا يعرف الراحل فقد كان أقرب الأساتذة لزملائه ولطلابه نظراً لما تميّز به من علم غزير وتواضع جمّ وعفوية وروح مرحة جعلته فريداً بين أقرانه وجعلت قاعات المحاضرات العامة التي يلقيها في الجامعة وفي النادي الأدبي بجدة تكتظّ بالحاضرين في مشهد لم نشاهد له مثيل في تلك المنابر، وكان الألم يعتصر قلبه على حال اللغة العربية وما آلت إليه بين كثير من طلاب الجامعة آنذاك والذين كان يصفهم مازحاً بالـ«المكرونة المتحركة» نتيجة لخمولهم ولقلة تحصيلهم العلمي وعدم حرصهم على العلم النافع، بقدر حرصهم على أيسر سبل النجاح والحصول على وثيقة التخرج! فماذا عساه أن يقول غفر الله له لو أنه ما زال يعيش بيننا عن معظم طلابنا اليوم؟!
والدكتور النعمي كان خطيباً مفوّهاً وكاتباً وناقداً أدبياً من الطراز الرفيع وذا ثقافة عالية جداً في الأدب والنقد والتاريخ وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم حتى أننا كنا نعده موسوعة متحركة يتنقل بكل ثقة وسهولة ويسر، بين العصور المختلفة منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث بآدابه العربية والأوروبية، ولذا فإنه من المتوقع أن ذلك كله قد انعكس على تلك الموسوعة التي أفنى حياته من أجلها والتي يكاد يجزم من عرف الراحل أنها تحفة فنية أدبية تاريخية تستحق أن ترى النور وأن تكون في متناول الأجيال الحاضرة والقادمة، ومما يدلّل على متانتها وقوتها ما ذكره لنا (رحمه الله) أنه أحصى فيها ما يربو على ثلاثمائة شاعرة أندلسية في حين أن معظمنا لا يعرف منهن إلا ولادة بنت المستكفي! وبالتالي فإن الأمل معقود على المسؤولين بوزارة الثقافة والإعلام والمهتمين بالشأن الثقافي في تبني طباعتها وإتاحتها للباحثين وللقراء المهتمين في المكتبات العامة والجامعية والأندية الأدبية.
* أكاديمي في جامعة حائل
aaboamr@gmail.com